الصفحات

    ازرار التواصل

توفيق بوعشرين
وحده بنكيران نام باكرا مساء الأحد، وترك الآخرين بلا نوم ساهرين لتحليل بيان «انتهى الكلام»، والتكهن بما سيأتي بعده، واستيعاب الرجة السياسية الذي أحدثها بعد ثلاثة أشهر من «سير واجي». بنكيران يشبه ذلك الرجل الذي كان مدينا لجاره بالمال، وفي الليلة التي تسبق يوم إرجاع القرض لصاحبه لم يستطع صاحبنا النوم في فراشه، فسألته زوجته: «ما بك؟ ومن طرد النوم من عينيك؟»، فحكى الزوج لزوجته قصة القرض الذي في عنقه، وعجزه عن الأداء في الغد، فما كان من الزوجة الحاذقة إلا أن طرقت باب الجار الذي أقرض زوجها المال، وقالت له بالعربي الفصيح: «اسمع يا جارنا العزيز، إن زوجي لن يودي لك غدا ولا بعد غد ما بذمته من مال. انتهى الكلام»، ثم رجعت إلى زوجها وقالت له: «الآن نم أنت وتركه هو بلا نوم»!

هذا ما فعله بنكيران مساء الأحد بخصومه، ألقى إليهم بيانا مقتضبا من ثلاث فقرات بعد خروجه من ضريح محمد الخامس بالرباط، وذهب إلى بيته يرتاح من مناورات ثلاثة أشهر، مستخلصا من كل ما مر أن «السيد عزيز أخنوش في وضع لا يملك معه أن يجيبني، وهو ما لا يمكن للمفاوضات أن تستمر معه حول تشكيل الحكومة، وبهذا يكون قد انتهى الكلام معه، والشيء نفسه يقال عن السيد امحند العنصر»، حسب ما جاء في البيان.

الذين ضغطوا على بنكيران لمدة 91 يوما واقتربوا من إهانته، لا يعرفون طبعه النفسي ومزاجه السياسي، حيث إنه في لحظة قد يقلب الطاولة ويرفض الاستمرار في لعبة غير منتجة سوى لمزيد من احتقار الأحزاب، والتلاعب بالدستور، والاستخفاف بنتائج الانتخابات، وهذا ما حصل مساء السبت، حيث انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المؤيدة لبنكيران ولانتفاضته ضد أخنوش والعنصر ومن يقف خلفهما، لأن الجميع اعتبر أن «مول الغاز» تجاوز حدوده بكثير، مرة بتأخير تشكيل الحكومة إلى غاية عقد مؤتمر استثنائي لحزب لا يملك من الاسم إلا الرسم، ومرة بالاعتراض على دخول حزب الاستقلال إلى الحكومة حتى قبل زلة شباط، ومرة بالتشبث بالحركة الشعبية وإنقاذ رأس العنصر، ومرة بإقحام الاتحاد الدستوري في مشاورات هو غير معني بها، أما النقطة التي أفاضت الكأس، فهي إصرار أخنوش على إدخال اتحاد لشكر تحت جلبابه إلى بيت الحكومة، بعدما رفض إدريس لشكر الدخول من الباب الرسمي للأغلبية. هذا العبث السياسي، وهذا التلاعب بالدستور، الذي يعطي رئيس الحكومة وحده صلاحية تشكيل الأغلبية، كان لا بد له من رد قوي، ومن نقطة نظام معبرة، وكذلك كان.

الآن، المغرب في مفترق طرق، فإما سنرجع إلى الاختيار الديمقراطي بأحد احتمالين؛ انتخابات سابقة لأوانها، أو الضغط على أخنوش لوقف تهريب الاتحادين الدستوري والاشتراكي إلى الحكومة دون موافقة رئيسها، ودون الحاجة إلى أصواتهما، وإما أننا سننزلق إلى سيناريو سيتم فيه التراجع عن كل مكاسب الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي عرفها المغرب منذ سنوات، وعندها، كل الأبواب ستصير مفتوحة أمام السقوط في سلطوية جديدة ستتخلى عن كل ضابط دستوري أو قانوني أو سياسي.

«الذي لا تستطيع تغييره عليك أن تتحمله»، هذه هي النصيحة التي يمكن أن يقدمها أي عاقل للذين يرفضون الإقرار بفوز العدالة والتنمية في انتخابات الأخيرة.. انتخابات كانت مفتوحة نسبيا، وجربت فيها وزارة الداخلية كل وسيلة لتحجيم مصباح بنكيران، ففشلت بشهادة الجميع. الآن، لا يمكن استرداد ما ضاع في صناديق الاقتراع بوساطة «بلوكاج سياسي» لإخراج حكومة لا تشبه نتائج الاقتراع، ولا يمكن لأخنوش أن يلعب الدور الذي كان موكولا إلى إلياس العماري في الخطة ألف التي فشلت، ولا يمكن للأحرار أن يتحولوا إلى بام جديد بعد حيازة أصوات الحركة والاتحادين الدستوري والاشتراكي (مع ما في هذا الجمع بين اتحاد عبد الرحيم واتحاد المعطي من مدعاة للألم في قلوب الذين يقدرون تراث حزب الوردة، وشموخ مؤسسه الذي تحل ذكرى وفاته هذه الأيام).

إذا كُنتُم تريدون إضعاف رئيس الحكومة وإذلاله، وإدخال وزراء لا يقبل بهم إلى حكومته، والمشاركة معه في اختصاصاته، وتقزيم نتائج حزبه، وامتصاص روح صندوق 7 أكتوبر، وإغراق الأغلبية بستة أحزاب لا جامع بينها غير خلط الأوراق ودق مسامير الخلافات وسط بيتها.. إذا كُنتُم تريدون أن تهينوا رئيس الحكومة، وتنهكوه بتمطيط زمن المفاوضات، وإظهاره للداخل والخارج على أنه ضعيف ولا سلطة له، فلكم ذلك، لكن لا بد أن تجيبوا عن السؤال الأهم، وهو: لأي شيء سيصلح بنكيران غدا إذا قبل بكل هذه الإهانات؟ وأي قيمة سياسية ستكون له لمواجهة الداخل والخارج؟ وأي شرعية ستكون له لمباشرة الإصلاحات الكبيرة في بلاد تقاوم التغيير بطبيعة أهلها؟ إذا كُنتُم تريدون «طرطورا»، فالطراطير كثر في حقلنا الحزبي، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

توفِيق بوعشرين .. إنتهى الكلام ❗

توفيق بوعشرين
وحده بنكيران نام باكرا مساء الأحد، وترك الآخرين بلا نوم ساهرين لتحليل بيان «انتهى الكلام»، والتكهن بما سيأتي بعده، واستيعاب الرجة السياسية الذي أحدثها بعد ثلاثة أشهر من «سير واجي». بنكيران يشبه ذلك الرجل الذي كان مدينا لجاره بالمال، وفي الليلة التي تسبق يوم إرجاع القرض لصاحبه لم يستطع صاحبنا النوم في فراشه، فسألته زوجته: «ما بك؟ ومن طرد النوم من عينيك؟»، فحكى الزوج لزوجته قصة القرض الذي في عنقه، وعجزه عن الأداء في الغد، فما كان من الزوجة الحاذقة إلا أن طرقت باب الجار الذي أقرض زوجها المال، وقالت له بالعربي الفصيح: «اسمع يا جارنا العزيز، إن زوجي لن يودي لك غدا ولا بعد غد ما بذمته من مال. انتهى الكلام»، ثم رجعت إلى زوجها وقالت له: «الآن نم أنت وتركه هو بلا نوم»!

هذا ما فعله بنكيران مساء الأحد بخصومه، ألقى إليهم بيانا مقتضبا من ثلاث فقرات بعد خروجه من ضريح محمد الخامس بالرباط، وذهب إلى بيته يرتاح من مناورات ثلاثة أشهر، مستخلصا من كل ما مر أن «السيد عزيز أخنوش في وضع لا يملك معه أن يجيبني، وهو ما لا يمكن للمفاوضات أن تستمر معه حول تشكيل الحكومة، وبهذا يكون قد انتهى الكلام معه، والشيء نفسه يقال عن السيد امحند العنصر»، حسب ما جاء في البيان.

الذين ضغطوا على بنكيران لمدة 91 يوما واقتربوا من إهانته، لا يعرفون طبعه النفسي ومزاجه السياسي، حيث إنه في لحظة قد يقلب الطاولة ويرفض الاستمرار في لعبة غير منتجة سوى لمزيد من احتقار الأحزاب، والتلاعب بالدستور، والاستخفاف بنتائج الانتخابات، وهذا ما حصل مساء السبت، حيث انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المؤيدة لبنكيران ولانتفاضته ضد أخنوش والعنصر ومن يقف خلفهما، لأن الجميع اعتبر أن «مول الغاز» تجاوز حدوده بكثير، مرة بتأخير تشكيل الحكومة إلى غاية عقد مؤتمر استثنائي لحزب لا يملك من الاسم إلا الرسم، ومرة بالاعتراض على دخول حزب الاستقلال إلى الحكومة حتى قبل زلة شباط، ومرة بالتشبث بالحركة الشعبية وإنقاذ رأس العنصر، ومرة بإقحام الاتحاد الدستوري في مشاورات هو غير معني بها، أما النقطة التي أفاضت الكأس، فهي إصرار أخنوش على إدخال اتحاد لشكر تحت جلبابه إلى بيت الحكومة، بعدما رفض إدريس لشكر الدخول من الباب الرسمي للأغلبية. هذا العبث السياسي، وهذا التلاعب بالدستور، الذي يعطي رئيس الحكومة وحده صلاحية تشكيل الأغلبية، كان لا بد له من رد قوي، ومن نقطة نظام معبرة، وكذلك كان.

الآن، المغرب في مفترق طرق، فإما سنرجع إلى الاختيار الديمقراطي بأحد احتمالين؛ انتخابات سابقة لأوانها، أو الضغط على أخنوش لوقف تهريب الاتحادين الدستوري والاشتراكي إلى الحكومة دون موافقة رئيسها، ودون الحاجة إلى أصواتهما، وإما أننا سننزلق إلى سيناريو سيتم فيه التراجع عن كل مكاسب الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي عرفها المغرب منذ سنوات، وعندها، كل الأبواب ستصير مفتوحة أمام السقوط في سلطوية جديدة ستتخلى عن كل ضابط دستوري أو قانوني أو سياسي.

«الذي لا تستطيع تغييره عليك أن تتحمله»، هذه هي النصيحة التي يمكن أن يقدمها أي عاقل للذين يرفضون الإقرار بفوز العدالة والتنمية في انتخابات الأخيرة.. انتخابات كانت مفتوحة نسبيا، وجربت فيها وزارة الداخلية كل وسيلة لتحجيم مصباح بنكيران، ففشلت بشهادة الجميع. الآن، لا يمكن استرداد ما ضاع في صناديق الاقتراع بوساطة «بلوكاج سياسي» لإخراج حكومة لا تشبه نتائج الاقتراع، ولا يمكن لأخنوش أن يلعب الدور الذي كان موكولا إلى إلياس العماري في الخطة ألف التي فشلت، ولا يمكن للأحرار أن يتحولوا إلى بام جديد بعد حيازة أصوات الحركة والاتحادين الدستوري والاشتراكي (مع ما في هذا الجمع بين اتحاد عبد الرحيم واتحاد المعطي من مدعاة للألم في قلوب الذين يقدرون تراث حزب الوردة، وشموخ مؤسسه الذي تحل ذكرى وفاته هذه الأيام).

إذا كُنتُم تريدون إضعاف رئيس الحكومة وإذلاله، وإدخال وزراء لا يقبل بهم إلى حكومته، والمشاركة معه في اختصاصاته، وتقزيم نتائج حزبه، وامتصاص روح صندوق 7 أكتوبر، وإغراق الأغلبية بستة أحزاب لا جامع بينها غير خلط الأوراق ودق مسامير الخلافات وسط بيتها.. إذا كُنتُم تريدون أن تهينوا رئيس الحكومة، وتنهكوه بتمطيط زمن المفاوضات، وإظهاره للداخل والخارج على أنه ضعيف ولا سلطة له، فلكم ذلك، لكن لا بد أن تجيبوا عن السؤال الأهم، وهو: لأي شيء سيصلح بنكيران غدا إذا قبل بكل هذه الإهانات؟ وأي قيمة سياسية ستكون له لمواجهة الداخل والخارج؟ وأي شرعية ستكون له لمباشرة الإصلاحات الكبيرة في بلاد تقاوم التغيير بطبيعة أهلها؟ إذا كُنتُم تريدون «طرطورا»، فالطراطير كثر في حقلنا الحزبي، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.